Dienstag, 27. Januar 2009

Malerei-Arabisch الرسوم

۲۰۰٩ ۳يناير
طوقت الشرطة الجانب الأيمن من الميدان الكائن خلف باب اليمن بالمتاريس. وأخذ الرجال ذوي الزي الرسمي يروحون جيئة وذهابا وهم يحملون العصي، ويمنعمون المواطنين من الاقتراب من الحامل المدرج الذي وُضِع عليه قماش كتان أبيض. يحاول المارة مرارا وتكرارا أن يسترقوا نظرة على الصور التي لم تبدأ بعد، ويقفزوا درجتين إلى أعلى، ولكن الشرطة تردهم إلى الخلف مهددة إياهم. لم يكن هناك من يقف حتى في الخلف عند جدار البيت الذي يحد الميدان. أما أنا في المقابل فلم يكن علي محاولة التسلل خلف درجات السلم المؤدية للوح الكتان حيث طلب مني أحد رجال الشرطة الصعود وقال لي: "إلق نظرة في هدوء." ولكن لم يكن هناك شيء يُرى بكل أسف. لذا أفكر إذا ما كان علي أن أنتظر هنا أم أتجول لمدة ساعة ثم أعود ثانية؟
في تلك اللحظة تندفع إلى الميدان جموع من البشر قادمة من شارع السوق الطويل مرورا بمسجد الرضوان، وهو الأمر الذي حملني على التفكير في قيام مظاهرة. إلا أن سيارة ملونة باللون الذهبي كانت تتقدمهم، وقد ازدان غطاء محركها بالورود والعشب، بينما غطت الصور والملصقات المساحات الجانبية لها. كما أن الرجال الذين كانوا يتبعونها – فقد كانوا جميعا من الرجال دون استثناء- لم يهتفوا بأية شعارات، بل ظلوا صامتين، ولكنهم بدوا في عجلة من أمرهم. صحيح أنهم لم يركضوا ولكن خطواتهم كانت تتميز بسرعة من يتوجه إلى هدف. عندئذ رأيت بعضهم يحملون نعشا، أو شيئا أقرب إلى كونه فراش خشبي فوق رؤوسهم، وقد استلقى عليه شخص متوفى مغطى بالقماش. كان الرجال يتبادلون حمل النعش ويسلمونه إلى من يليهم. وكانت الجموع تتدفق حولهم قادمة من البوابة. ولكن هذا التيار لم يتوقف، حيث بدأ النعش التالي يتأرجح، ثم الثالث. هناك مئات الأشخاص يرغبون في تقديم الواجب الأخير للمتوفين. لم يكن هناك انفعال ما باد على وجوههم. لم يكن هناك سوى العجلة هى التي تعبر عما حدث. تصدر بعض النداءات من مكبرات الصوت المثبتة في السيارة، ولكني لا أفهمها. ويتوقف المرور في شارع تعز. كما أخذ التجار يتبعون تحرك الناس بفضول، وتوقف المارة عن السير. ثم انعطف الركب في شارع آخر وتفرق فجأة. لم يتحرك إلى الأمام سوى النعش الأول، بينما انحرف كلا النعشين الآخرين. هناك طريق سريع به حارات متعددة للسير يؤدي إلى المقابر بعد أن يمر بمحال الفاكهة وسوق للماشية. توقفت عند المدخل، حيث يُحمل المتوفى بعيدا ليُترك داخل باطن الأرض. طلب مني سائق السيارة الدخول إلى المقابر كي أراقب السيارة عن قرب. أوضح لي أحد الحاضرين أن المتوفى كان رجل ثري، كان شيخا، ثم أراني الصورة التي كانت ملصقة على جوانب السيارة كما كانت مثبتة في إطار على لوح الزجاج الأمامي للسيارة. إصطفت إلى جانبها صور باهتة لأموات، ومشاهد بدا فيها الرئيس. وهكذا عرفت أن السيارة تستخدم أيضا لأغراض سياسية، حيث أشار البعض إلى لقطات من قطاع غزة قد عرضت على النوافذ الجانبية ترى فيها أجساد ممزقة، وجرحى وموتى. وقف أقارب المتوفى على الجانب الأيسر فوق جزء مرتفع مخصص لهم، وقد اصطفوا في طابور فاقه طابور متلقي العزاء طولا. أخذ الجميع يهزون الأيدي، ويرددون عبارات التعازي والمواساة. لابد وأن عدد كبير بدرجة لا تصدق كان يعرف ذلك الشيخ. ثم أخذ الناس يخرجون تدريجيا ويغادرون المقابر. كما عدت أنا أيضا إلى باب اليمن، حيث كان الرسامون والرسامات القادمين من بيت الفن قد زينا اللوح الكتان بصورهم خلال الساعة ونصف الساعة المنقضية، وكانت كلها صور لها علاقة بمسألة غزة. فها أنا أرى حمامة السلام وقد وضعت على رمح، تديرها يد تزهو فوقها نجمة. وتوضح لوحة أخرى الوشاح الفلسطيني خلف سور.
سوزان، وهي إحدى الرسامات، تريد أن تعرف رأيي في ذلك الحدث وتقول: "يريد الفنانون أن يلفتوا الأنظار إلى مأساة، وينشرون التقارير بشكل مختلف عما تفعله وسائل الإعلام في أوروبا."
وبينما كنت أتحدث إليها التقطت لنا الصحف اليمنية بعض الصور. سألتها عن سبب تسميتها سوزان، فأجابت بأنها ولدت أثناء الاحتلال البريطاني. وعندما سألتني عن معنى إسم سوزان، رفعت كتفي وقلت: "لا شيء." فضحكت هي وقالت: "لكني لا أريد أن أدعى "لا شيء"." قالت إحدى صديقاتها وهى فلسطينية، أن هذا الحدث يعني الكثير، ثم أشارت إلى قلبها. ثم رأيت الكاميرات التي تصور، حيث يقول شخص ما يقف في الخلفية:"إن الفلسطينيين مثل أخوتنا. فالأمر إذا يبدو كما لوكان هناك من يقتلنا نحن."
يظهر فجأة سائحان إنجليزيان ثم يُطلب منهما بدورهما التوجه إلى الجزء المطوق من الميدان، لتبدأ سوزان على الفور في النقاش معهما، بينما أودعها أنا متمنيا مستقبل أفضل.