Dienstag, 27. Januar 2009

Rawdah - Arabisch روضة

روضة

4 يناير 2009

روضة هي مدينة صغيرة تقع شمالي صنعاء في اتجاه الميناء الجوي بالقرب من حدود المناطق القبلية. يقول محمد الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة ويشتري الآن لحم أن عدد سكانها يبلغ حوالي .130.000 مائة وثلاثون ألف نسمة.

سألته كيف يتحدث الإنجليزية بطلاقة هكذا؟

فأجاب وهو يضحك: "لأنني يمني."

جلس خلفه اثنان من محل الجزارة في مقعد الخياط يقطعون كتل اللحم قطعا صغيرة. وعلى بعد خطوات منهم ترى رأس بقرة ملقاة في الشمس. حيث يوجد فناء الذبح إلى جانبها والمسموح للعملاء دخوله من خلال فتحات على الجانبين، كي يسلموا خرافهم أو ماعزهم. جاء رجل يجر جلود لحيوانات مذبوحة حديثا مما خلف وراءه آثارا رطبة على التراب ثم ألقى بالفراء المبلل على ظهر سيارته النقل عندما دق جرس هاتفي المحمول. إنها أمي تريد أن تعرف كيف حالي.

صحت قائلا: رائع.

عندئذ تطلع في المارة بفضول حتى أن أحدهم ظل واقفا على بعد مترين بعدما أمال رأسه ليراقبني وقد عقد حاجبيه كما لوكنت أنا ظاهرة لا يمكن تفسيرها. ولم يفك قسمات وجهه إلا عندما ألقيت عليه التحية.

فقال: سلام، ثم تابع سيره ضاحكا.


لم أتمكن من فهم أمي جيدا. حيث لم يصل إلى مسامعي سوى أن البحيرات في بلدنا تجمدت تماما وأن الجميع يركب الزلاجات الآن.


أصيح لأقول لها عبر سماعة التليفون: "أما أنا فقد أحرقت الشمس بشرتي."
إن الأصوات التي تحيط بي عالية. هناك رجال يتناقشون ويطلقون النكات. كما تمر السيارات مصدرة أصوات قرقعة وصلصة، كما لو كان المحرك سيقضى نحبه في أية لحظة. أضف إلى ذلك الضجيج الذي تصدره الدراجات ذات المحركات والذى يشبه صوت مثقاب الهواء المضغوط وهى تبعث الغبار حولها ليضرب ما يشبه الستار بيني وبين المدينة. لذا أنهي المكالمة.

تخاطبني ثلاث سيدات وقد غطين وجوههن حتى الأعين. حيث يسألنني إذا كنت ضللت طريقي. ولكني أجيب بالنفي وأشير إلى السوق. كانت أهدابهن ملونة بدقة كما حدد الكحل عيونهن. هزت النساء رؤوسهن غير مصدقات ثم تابعن السير ولكنهن التفتن للخلف أكثر من مرة. تجلس المتسولات على الجدران يسارا ويمينا ويتحدثن إلى حالهن ويطلبن المساعدة من الله. بينما يدس بعض زوار السوق قطع نقود معدنية في أيديهن..

يعيش الشيخ عبد الرحمن المرواني في روضة. والذي كنت أمل في لقاءه. ولكنه اليوم في صنعاء، في مكتب "دار السلام، تلك المنظمة التي يترأسها. وتحاول منظمة دار السلام منذ عام 1997 أن تقنع الرجال اليمنيين بإلقاء السلاح أو على الأقل بتركه في البيت عندما يذهبون إلى المدينة أو إلى السوق. حيث تقع الحوادث الكثيرة، وغالبا ما تحدث إصابات غير مقصودة أو قد تتصاعد المشاجرات فتصل إلى نهايات مأساوية، عندما يلجأ الخصم فجأة إلى بندقيته الكلاشينكوف.


لذا فقد علقت منظمة دار السلام على مدخل روضة لافتات تبين الأسلحة مرسوم حولها دائرة حمراء مشطوب عليها علامة الرفض. إلا أن الأمر لا يتعلق هنا بالجمبية، ذلك الخنجر المقوس، الذي يحمله حتى الأطفال أمام بطونهم، بل بالمسدسات والأسلحة النارية. وهي ممنوعة في صنعاء ولكن الأسلحة تمثل جزءا من الحياة اليومية في القرى لدى القبائل. كما أنه يسهل الحصول على المسدسات وبنادق الكلاشينكوف والمتفجرات في اليمن. ولا تقتصر محاولات منظمة دار السلام في توعية المواطنين بهذه الإشكالية على الملصقات فحسب. إذ تعمل المنظمة مع الحكومة ومع منظمات الخدمات الدولية على حد سواء. وفي الجوامع يشير الوعاظ أثناء خطبة صلاة الجمعة إلى تلك المخاطر، كما تجري المحاولات لعقد جلسات لإقناع القبائل بعدم جدوى الغزوات الثأرية. ويحاولون إقناعهم كذلك بالتخلي عن عادة إطلاق الأعيرة النارية أثناء حفلات الزفاف، حيث يسقط دائما ضحايا من جراء ذلك. هذا ويراقب رجال الجيش المتمركزون عن نقاط الحدود خارج العاصمة البضائع المنقولة، لأن تجارة السلاح هنا أمرا مألوفا.


على أية حال فأنا لا أرى أسلحة في سوق روضة. فليس هناك من يضع سلاحه إلى جانبه بينما هو يعرض اليوسفي والدواجن والأرانب الهندية وقدر الطهي والسجاجيد للبيع. يرى التجار في شخصي نوعا من التغيير المرحب به ويطلبون مني التقاط بعض الصور لهم. ثم ينفجروا ضاحكين عندما يشاهدون الصور على شاشة العرض. فيمسكوا بعدها بهواتفهم المحمولة ويلتقطوا لي صورا.

تبادل إطلاق- الصور منقطع النظير

ولكن عند نهاية السوق فحسب، حيث تقف بعض الخراف محملة فوق ظهر سيارة نقل، يمسك رجل في الخمسين من عمره تقريبا بذراعي من الخلف ويصيح بي ويسألنى عما أبحث عنه هنا؟ فأنفض يديه عني وأنا أفكر في كلمات علي الذى أقلني بسيارته التاكسي ذات مرة حيث أرانى هراوة وأوضح لي قائلا: عندما يقع لك حادث أو إذا حدث لك شيئا، عليك أن تمسك بعصا على الفور وتصرخ. عندئذ تكون بريئا. وإذا لم تفعل ذلك ستعتبر جبانا ويكون الآخر هو صاحب الحق."

لم أكن متأكدا آنذاك وأنا أستقل التاكسي مع علي من أن هذا هو التكتيك الصحيح، ولكن يبدو أن ذلك الرجل في سوق روضة لم يعجبه وجودي. فقد كانت عيناه مليئة بالكره. وأخذ يصيح باللغة العربية، بينما أرد أنا عليه بالألمانية ثم تركته واقفا ومضيت في طريقي. وظل المشاهدون الذين تجمعوا حولنا صامتين، ثم أشاروا إلي على بعد خطوات بأن الرجل مجنون.

وقال أحدهم: "متعصب" وسألني إذا كنت لازلت أحب اليمن؟

فقلت له: طبعا، فأنت أيضا اليمن."

وهو ما وافق رأيه.

لا يسعني إلا أن أتمنى التوفيق لدار السلام.