Dienstag, 27. Januar 2009

Markt-Arabisch السوق

١يناير ٢۰۰٩
صنعاء هى قصيدة تتأرجح فيها الأبيات مثل الخناجر المقوسة والريح وهى شديدة الجفاف لدرجة أدمت أنفي. بينما يندس الضوء من أعلى إلى الحارات الضيقة ليقفز وهاجا من واجهات المنازل الكائنة على جانب الطريق ويسقط على وجوه المارة المتعجلين، هاهي ظلال معتمة في المقابل تلف البيوت، كما لو كان الليل سيبدا مجددا في الصباح.
أسير متئد الخطى من باب اليمن، البوابة الجنوبية للمدينة القديمة، وأعبر الميدان الكائن خلفه، والذي افترشه الباعة ليعرضوا فيه بضائعهم من حقائب بلاستيكية وخبز وسترات ولوحات. ليس هناك من يلح علي أو يطالبني بالشراء منه. وهو الأمر الذي يسري أيضا في سوق الملح الذي يربطه بالميدان شارع تسوق مليء بالباعة الجائلين، والذى يلتصق فيه كل محل صغير أقرب إلى طابع الجراج بالمحل الآخر. أي أنني لن أتحول هنا بأي حال إلى هدف للطامعين في البيع، وهو ماعهدته في بلاد أخرى. لذا يبعث جو المحال هنا على الراحة ويشعرك بالألفة. كما يتحلى السوق بطابع الأصالة. هنا يتمكن سكان المدينة من قضاء حواجهم بدأ من جِلبة الحِرفي وصولا إلى فستان الزفاف. أي أنه لا توجد محال مفتوحة خصيصا للسياح. هذا وتنقل أجولة الزبيب والأقمشة والخضروات على عربات اليد عبر الحارات المتداخلة والضيقة. تطلق الدراجات البخارية نفير وتسرع بين جموع الناس فيضغط سائقوها على المكابح ثم يواصلون السير. من حين لآخر تحاول سيارة أن تشق طريقها بين منصات الباعة.
تصل إلى مسامعي من بعض المحال ذات الطابق الواحد جملة:"مرحبا بك في اليمن." „Welcome to Yemen، بينما يرغب آخرون أن يعرفوا من أي بلد أتيت؟ أجرب معهم ذكر اسم لوكسمبورج مرة ثم مرتين، وهو ما يتبعه على الفور تكرار للسؤال. لذا أقول أنني من ألمانيا. وهذا ليس خطأً لأنني أعيش بها منذ عام 1983. يرى التجار أن ألمانيا بلد جيد ويقولون وقد رفعوا أصبع الإبهام: "تمام"
ويقول آخر: "إنه لأمر جيد كونك لست أمريكيا." ثم يضحك بعد أن سحب خنجره المقوس حيث ترى هاتفه المحمول وقد اندس إلى جانب جراب الخنجر في حزامه.
إن السوق منسق بشكل واضح. فهناك جزء مخصص لتجار الأقمشة، وآخر لتجار الخناجر المقوسة، وتجد كذلك بائعي النرجيلة إلى جوارهم. وهناك أيضا حارة لتجار التوابل، وأخرى للحدادين. وفي مكان ما يمكنك شراء إطارات الأبواب والنوافذ واللحوم والأسماك والخضروات من مكان آخر، بينما تعلو مآذن الجوامع المتعددة. وهناك كذلك المساقي التى يرعاها الوقف، تلك المؤسسة الدينية. كما تجد من افترش الأرض ليبيع الشيلان الكشمير وأطعمة الأطفال. وترى بائعي القات الذين يضعون أوراق ذلك النبات أمامهم في أكياس حيث يكون الإقبال عليهم كبيرا. ويحوي هذا النبات مادة لها تأثير منشط، إذ يختفي الشعور بالتعب ليحل محله شعور خفيف بالنشوة، وهو الأمر الذي يشجع على الرغبة في الكلام. لذا يجتمع الرجال طوال اليوم ويمضغون الأوراق الطازجة ويحشون بها وجناتهم حتى تتورم وتتخذ شكلا دائريا كما لو كانوا يحشرون كرة تنس في أفواههم ويدعون الوقت يمر. بل أن الكثيرين منهم يلوكونه وهم وحدهم داخل المحال ويواصلون العمل.
إلا أن القات هو مخدر الحياة اليومية في هذا البلد. بيد أن اليمنيين أنفسهم لا يعتبرونه مخدرا بل هو بالنسبة إليهم يمثل وسيلة للمتعة.
"مثل القهوة" قالها أحدهم وقد رفع يدية عاليا كما لو كان يريد أن يضيف قائلا ما هو سبب الضيق في ذلك؟
يجيب رجل آخر يجلس بجواره: هو أشبه بالويسكي." ثم يضحك.
في ألمانيا يعد جلب القات ممنوعا حيث أنه يمثل خرقا لقانون المخدرات. ولا يلتقي الرجال اليمنيون فحسب لتعاطي القات، بل أن النساء يجتمعن كذلك بغرض مضغ القات، إلا أن النسبة تعد قليلة مقارنة بالرجال. كما تطرح المشاكل للنقاش في جلسات القات وتجد حلولا. وهكذا ينقضي وقت ما بعد الظهيرة بشكل جميل كما ينبغي أن تكون الحياة.
ولكن هناك أصوات تتعالى بالتلميح إلى كون القات مشكلة لليمن. ليس فقط لأن المزيد من مساحات الأراضي تستغل لزراعة وسيلة متعة، بينما تغفل زراعة أشياء أخرى ضرورية للحياة، لأنها ليست مربحة بدرجة كافية، فضلا عن استهلاك جزء كبير من الراتب الشهري المحدود على مضغ القات. محمد الذى وجه إلي الحديث بقوله:"إسمي محمد شأني شأن الجميع في هذا البلد،" حكى لي عن عائلات تعاني من استهلاك هذا النبات. حتى أن الأطفال لا يأكلون اللحوم أو الفاكهة، لأن المال ينفق على شراء القات.
قال محمد: "إنهم يلوكونه مثل الحيوانات. غالبا ما يبقى العمل متعطلا حيث أنهم لا يفكرون في الصباح سوى في المكان الذي يمكنهم شراء القات منه. أى أن هذا هو ما يتحكم فى تفكيرهم بالكامل.
أجرب بطبيعة الحال بعض الأوراق التي يقول عنها محمد أنها تعالج برش الكيماويات حتى تنمو وهو ما يعنى ابتلاع كم كبير من المواد الكيماوية عند مضغها. ولكنني أتواجد في هذا البلد كي أجرب الأشياء، أو على الأقل لكى أكون فكرة عن مكونات الحضارة اليمنية. إذا علينا بأوراق القات. إن مذاق القات مر للغاية. فهو يتجمع في الفم ولكنه في الوقت نفسه يتسبب في إفراز اللعاب بغزارة حتى أننى لا أعرف ما أفعله بكل هذه السيولة التى تحشو فمي. لحسن الحظ رأيت حولي بعض الرجال وهم يبصقون في الشارع، ففعلت مثلهم، بينما ظلت بقايا الأوراق المُلاكة تتجول بجيب الوجنة داخل فمي، كما كان لساني يحاول إبعادها عن البلعوم. أبدو غير متمرس في فن المضغ لذا أسمع الضحكات على، لأن الرجال من حولي يزجون بتلك الأوراق الخضراء بين شفاهم ليجعلوها مستديرة، بينما هم يتناقشون. أصمت بعض الوقت ثم أبتلع ما في فمي. فأنا لآ أريد أن أبلل الشارع بأكمله في النهاية.