Dienstag, 27. Januar 2009

Aden - Arabisch عدن

6 يناير 2009

وصلت إلى جنوبي عدن ونما لدي الشعور بأنني موجود في بلد آخر. إذا أنه في مكان ليس بعيد عن سفارة ألمانيا الديمقراطية سابقا، التي اتخذت منها مسكنا، تجد منازل من ثلاثة طوابق مقسمة إلى أراض سكنية صغيرة. أما الشارع ذو المنصة الذي كان مخصصا للاستعراض العسكري ولم يعد مستخدما فهو يفضي بحاراته الواسعة إلى أحياء مختلفة من شبه الجزيرة، حيث تذكرنا بعض الأبنية بزمن الاستعمار البريطاني، عندما كانت عدن واحدة من أهم موانىء التجارة العالمية.

اتخذت المدينة في تلك الأثناء تأثير نفح ماضيها الذي عاشته. حيث أن الجو العام يكاد يكون أشبه بالطابع الكاريبي. كما ترفع شمس الشتاء درجة الحرارة في الشوارع إلى 28 درجة مئوية. ويمكنك أن تستنشق رائحة البحر في الرياح. الرطوبة عالية مما يجعلك تتصبب عرقا مع كل خطوة. تفتت طلاء الواجهات التي كانت فخمة ذات يوم. بينما كانت أبخرة الفاكهة والخضار والبخور تتصاعد من نوافذ العرض. وما أن تبعد حارة واحدة عن شارع التسوق، حتى تبدأ مجموعة من المنازل الناشئة بشكل مؤ قت عن التحام حجرات ببعضها، وأكشاك خشبية متهاوية. خطرت كوبا ببالي. حيث المقاعد الوثيرة القديمة التي يبرز الريش من داخلها أمام الأبواب. كما تصطف إلى جوارها هياكل أسرة بلا فرش من أجل وقت القات الذي يحل بعد الظهيرة. وقد كان تعاطي القات ممنوعا في ظل الحكم الاشتراكي، إلا أنه كان يسمح به في نهاية الأسبوع. وبعد إعادة توحيد شطري اليمن عام 1990 جلب الشمال هذه العادة اليومية إلى خليج عدن، ليحالفه في ذلك النصر أكثر مما كان الحال في السياسة. لأن كل من يتحدث إلي سواء كان شابا أو أحد تجار السمك العجائز في ساحة السوق لا يريد أن يسمع مني سوى شيئين. أولهما أنني من الجانب الشرقي من ألمانيا، وثانيهما أنني أرى أن عدن أجمل وأحدث من صنعاء. فالوحدة إذاً لم تتم فعليا داخل العقول بعد. إذ دارت الحرب الأهلية الأخيرة بين الشمال والجنوب في عام 1994، ومنذ ذلك الوقت يذعن المواطنون لذلك على مضض.

يقول بدر الدين، ذلك الرجل الأكبر سنا والذي كان يجلس مع اثنين من أصدقاءه على الرصيف حول قدر طعام وهو يغمس به الخبز:

- الحال كما هو لديكم في ألمانيا. عندكم قام الغرب باستعباد الشرق، أما عندنا فقد استعبد الشمال الجنوب. عندما انسحب البريطانيون عام 1967 وتأسست هنا الجمهورية الشعبية كانت صنعاء مجرد قرية كائنة خلف أسوار. كانت النساء آنذاك في عدن يتنزهن وقد ارتدين الجونلات القصيرة وكن يتمتعن بنفس حقوق الرجال. واليوم يعتبر أغلب الناس مجرد كشف المرأة لوجهها أمراً خارجاً عن المألوف. بل أنه كان هناك مصنع جعة. وقد دمروه.

ثم أراد أن يعرف لماذا تتخذ السيدة ميركل جانب إسرائيل دائما؟ لأنه أي كان ما حدث في التاريخ فلا يجب أن تغمض ألمانيا عينيها لتغفل الواقع الفعلي. وفي تلك الأثناء أرسلت لي شركة سابافون للاتصالات رسالة إلكترونية على الهاتف المحمول تطلب مني التبرع بالدم من أجل ضحايا قطاع غزة، وهي الرسالة التي دأبت على بثها إلي يوميا طوال أسبوع.

في المساء أقرأ أنا وميشائيل روس مقتطفات من أعمالنا في فناء مقر سفارة ألمانيا الديمقراطية القديم والذي يضم الآن مقرى البيت الألماني والمركز الثقافي الفرنسي. تعج الأشجار بالغربان التي تنعق وتحلق في سماء المساء حتى يطردها شخص ما مستخدما بندقيته. يجلس على المقاعد أمامنا مستمعون لا يزيد عددهم عن الثلاثين. يقرأ كل منا صفحة من كتابه بالألمانية ثم يلقي أحد العاملين اليمنيين بالبيت الألماني كلا النصين المطولين لمدة ثمان عشر(18) دقيقة. استغرق الأمر طويلا بالنسبة للممثل الأوحد لاتحاد الكتاب اليمني في عدن الذى وجه سؤاله التالي:

- هل تستمر القراءات في ألمانيا وقت طويل هكذا؟

وأضاف أن الاستماع إلى ما تُلي كان أمر يبعث على الضجر بشكل كبير. بينما طلب آخر الكلمة ليرد بقوله أن العرب أنفسهم هم أصحاب تقليد الحكي والاستماع. إلا أن رجلنا ممثل اتحاد الكتاب يبدو أنه لم يكن يرغب في أن يربط بين محاضرتنا والتقليد العربي في الحكي لذا فقد بدا عدم الرضا على وجهه. وعلى صعيد آخر أبدى بعض المستمعين الآخرين اهتمامهم بالنصوص التي قرأناها وسألوا إذا كنا قد قرأنا شيئا لكتابهم المحليين؟ كما قالت طالبة يمنية أنها شعرت أن نص "ملاحظات" الذى أصف فيه كيف يراقب رجل ما الناس الآخرين يخاطبها هي شخصيا. حيث أنها هي أيضا تفكر باستمرار فيما يفعله الناس الغرباء، وكيف تبدو حياة الآخرين. أخذت ذبابتان تدوران حول المصابيح ذات الحوامل كما لو كانتا تبحثان معنا عن أجوبة. إزدادت المناقشة صعوبة عندما ورد ذكر مصطلح "التهكم". فما يبدو للقارىء الألماني على الفور بمثابة تباعد، يدركه المستمعون اليمنيون على أنه تبرم من الأبطال. وهو ما جعلنا نتطرق إلى مشاكل الترجمة. ويالها من خطوة كبيرة نحو أول تقارب.