Dienstag, 27. Januar 2009

Filmreif - Arabisch و هكذا ما يحدث في الفلم

٨ يناير ۲۰۰٩

تتألف عدن من أحياء عديدة تربطها ببعضها شوارع عريضة وممتدة. يسمى أحدها "كراتر" أي "فوهة البركان" وهو يقع مثلما ينم الاسم وسط فوهة بركان تفضي إلى البحر. أما الميناء القديم الذى يجلس باعة السمك في ساحة السوق به ليصيحوا بصوت عال على بضاعتهم الطازجة، فهو كائن بجانب فندق ريمباو الذي يذكرنا بالأديب الزميل صاحب "السفينة المنتشية" والذي توقف عام ۱٨٨۰في عدن وتبرم من تلك الصخرة الفقيرة التي تخلو من أعواد النجيل. في ذلك الصباح كانت أرضية ساحة سوق الميناء مليئة بأسماك القرش الميتة. حيث استلقت هناك ست وعشرون (۲٦) من الحجم الكبير من هذه الحيوانات إلى جانب ثمانين (٨۰ ) من الحجم الصغير.

يقول أحد البائعين:

- إنهم كثيرون، لن نبيعهم عن آخرهم أبدا.

ولكن هاهم أوائل الزبائن يقفون بالفعل في المكان. فهناك رجل يتجول مع زوجته وابنته الصغيرة بين أسملك القرش، ويضع إصبعه السبابة عله جلدها، ويتفحصها ثم يغوص مرة أخري بين الدم الذي كان شخص آخر يحاول أن يغسله ويصرفه بعيدا مستخدما خرطوما. وعلى الجانب الآخر من الشارع تجد ما يشبه مدينة الملاهي تحت الإنشاء: أرجوحة دوارة صغيرة، ومزالق.

إن الملصقات الدعائية لأفلام السينما في عدن والتي تظهر فيها نساء يرتدين القليل من الملابس تعد أمرا غير وارد على الإطلاق في صنعاء. كما لم أرى في العاصمة حطام السيارات الذى تراه على حافة الشارع. ويبدو أن هذا لا يسبب إزعاجا لأي شخص. فالرجال يرقدون في أكواخ خشبية تستند إلى الصخرة ويدخنون النرجيلة، بينما يجلس آخرون في الشمس الحارقة ليدقوا الحجارة ويكسرونها قطعا صغيرة طوال اليوم. تلك الحجارة التي تستخدم في بناء المنازل. أصطدم خلف سور من الصفيح المضلع بأحياء سكنية فقيرة، حيث الأكواخ التي يصل ارتفاعها بالكاد حتى صدر الشخص العادي وقد لفتها أغطية بلاستيكية ورقع قماش. كل شىء يبدو تدريجيا كما لو كان الضوء يشل أعضاء الجسم ويحد من حرية الحركة.

ولى وقت الهدوء في حي "المعلى" الذي يتكون من شارعين رئيسيين وبعض الحواري العرضية فحسب. حيث يخاطبنى باللغة العربية رجل ذقنه غير حليقة يلف حول خصره قماش طويل له نفس نقشة غطاء رأسه، وهو يتحدث إلى بطريقة جعلتني أحدس أنه بائع لحوح. فقلت له أنني لا أريد أن أشتري شيئا ثم تجولت حتى نهاية الشارع وتابعت التقاط الصور. وخلف ضريح الشيخ أحمد الشدالي الذي أصبح جزء لا يتجزأ من الشارع وقد أحاطته الأسوار الحديدية وأسوار الصفيح المضلع لتحميه، يتحدث إلي البائع مرة أخرى. كانت نظراته لحوحة بشكل غير ودي مما جعلني أشعر بالعصبية. فغيرت جانب الشارع الذي أسير فيه ولاحظت أن هذا البائع يتبادل الحديث مع شخص آخر. والآن أصبح كلاهما يلاحقني. أسرعت من خطواتي، فاقتربا مني. عبرت وسط الشارع، فوزعا نفسيهما. بدا الأمر بأكمله ينطوي على خطورة. لطالما تبعني الباعة مسافات طويلة في كثير من البلدان، ولكن سلوك هذين الرجلين كان يلمح إلى شىء ليس جيد. فكرت في حادث الاختطاف الذي تم قبل أسابيع. أخذت أبحث بعيناي عن أزقة أتمكن من القفز داخلها. وبالفعل ينفتح أمامي شارع تسوق صغير. حيث يسير الناس ، لذا لن يتجرأ ملاحقاي على شيء. ولكنهما لم يكفا عن ملاحقتي. ومن ثم التفت وتوجهت إليهما مهددا إياهما باستدعاء الشرطة إذا لم يتركاني لحالي. وواصلت الهرب. ولكنهما تابعا ملاحقتي دون اكتراث. وفجأة صادفني رجل ثالث قال لي أنه هو الشرطة. كان له شارب صغير ويلف بدوره تلك القماشة حول خصره . كما يلتصق الصندل بقدميه. لذا لم أصدق كلمة واحدة مما قاله وأفسحت لنفسي الطريق بعد أن نحيته جانبا وأخذت أسير أسرع وأسرع.


سقط ضوء الشمس على واجهات المباني مثلما تتساقط حبات العرق على الظهر. أخذ ثلاثتهم يطاردوني، فسار أحدهم على الرصيف الأيمن ، وثانيهم على الرصيف الأيسر بينما ظل ثالثهم يتبعني على خطوط الوسط. مرت علي عشر دقائق كاملة وأنا أفكر أنني في فيلم غير واقعي. حتى صاح الرجل الذي يرتدي عمامة من خلفي وقد قلص الغضب قسمات وجهه. وفكرت عندئذ أن علي أغادر. علي أن أغادر هذا المكان. ثم مرت سيارة أجرة خاوية، فأوقفتها وقفزت داخلها وصفعت الباب بعنف. كان الشخص الذي يلاحقني يبعد خمسة مترات عني وشاهدته من لوح الزجاج الخلفي وهويركض وراء السيارة الأجرة.




صحت قائلا:

- تحرك، تحرك!

فانطلق السائق مسرعا، بينما أخذ ملاحقى يصيح والرجلان الآخران يركضان صوب السيارة الأجرة وهما يصرخان كذلك. فضغط السائق على المكابح لتتوقف السيارة. صحت فيه مذعورا:

- ماذا حدث؟

أجاب السائق:

- المخابرات، لا أستطيع أن أواصل القيادة.

صرخت فيه:

- ماذا؟

أومأ سائق التاكسي وحاول أن يبتسم. كما أحاط من يطاردونني يالسيارة. فترجلت مذهولا تماما ومشحون للغاية فصحت بهم:

- مخابرات؟ لماذا لم تقولوا ذلك على الفور؟

أخرج أحد الموظفين الذي يرتدي ملابس مدنية بطاقة لونها وردي.

فقلت وقد تملكني الغيظ:

- أنا لا استطيع قراءة اللغة العربية.

حاول السائق تهدئتي وقال:

- كل شيء على ما يرام.

إنضم إلينا موظف آخر يرتدي قميص بني اللون ويتحدث الإنجليزية. فقلت أنا:

- ليس هناك شيء على ما يرام. لقد ظلوا يلاحقوني حتى أثاروا جنوني. لقد اعتقدت أنهم سيختطفونني.

قام الموظف ذو القميص البني بالترجمة. فارتسمت الدهشة على وجوه الآخرين.

وعلق أحد ملاحقيني أنني قمت بتصوير كل شيء. وكان يريد أن يعرف سبب ذلك. فأجبته قائلا:

- حتى أتذكر هذا فيما بعد. لماذا برأيك يلتقط السياح صورا؟

كرر السائق قوله :

- كل شيء على ما يرام.

ولكن تعاويذه لم تطلني.

وجهت كلامي إلى أول من خاطبني فيهم وقلت:

- إنكم تبدون مثل المجرمين.

وقام الشخص ذو القميص البني بالترجمة. فضحك الرجال. وقال أحدهم وهو يربت على الذقن غير الحليقة لزميله:

- نعم، أنت محق. إن هذا الرجل يبدو مثل المجرمين.

وعاود الجميع الضحك. وهكذا زال التوتر تدريجيا عن جسدي. ثم طلبوا مني جواز سفري حتى ينسخوه، فقطبت جبيني.
أومأ السائق وقال:

- كل شيء على ما يرام.

تمتم صاحب الذقن غير الحليقة وقال:

- آسف ولكن من يلتقط صورا بهذه الدقة....

في النهاية دعوني إلى تناول الشاي. فدخلنا إلى أحد الفنادق وهبطنا إلى القبو. قال الرجل ذو القميص البني:

- مخابرات!

وأكد مرة أخرى:

- أمن الدولة.


كررت قولي:

- يتصرفون مثل المجرمين.

ضحكات مجددا.

كانت الموائد والكراسي أسفل مغطاة مغلفة بغطاء. جلسنا إلى جانب بعضنا البعض في غرفة صغيرة. كان مذاق الشاي جيدا. وبعدها استعدت جواز سفري.

ودعني الموظفون في النهاية متمنين لي أجازة سعيدة، وصافحوني. كما أراد أحدهم أن يريني المزارات السياحية في عدن فرفضت وأعربت له عن شكري.
رحت أتجول في الشارع بعد أن خرجت وتابعت التقاط الصور. سيطرت على نفسي حتى لا ألتفت مرة واحدة إلى الوراء رغم أن ذلك كان يستهويني.