Donnerstag, 29. Januar 2009

Diener - Arabisch الأخدام

۲۰يناير ٢۰۰٩

ليس هناك أدلة على أصل الأخدام. إلا أن أقرب التفسيرات مفاده أنهم جاءوا من أثيوبيا في القرن السادس بوصفهم جنود ولكنهم اضطروا للبقاء في البلاد عبيداً بعد أن باءت محاولة الغزو بالفشل. كما أن لون بشرتهم أكثر سمرة من بشرة أهل اليمن بشكل واضح. أما الوظائف الوحيدة المسموح لهم بامتهانها فتتمثل في أعمال نظافة الشارع، ونقل القمامة وخدمة الجنود والتسول، علماً بأن التسول أيضا يعد بمثابة المهنة لهم. حيث أنهم ليس لديهم أية فرصة للترقي اجتماعياً، وإمكاناتهم التعليمية تكاد تكون منعدمة ولا يسمح لهم كفاحهم اليومي من أجل لقمة العيش بالكثير من الوقت للتفكير في أمور أخرى، أكثر من تلك الأفكار التي تدور حول الطعام.

سرت مع سليم، المترجم، بالسيارة شارع الزميري إلى آخره حتى وصلنا إلى مبنى شركة سابافون، وهو كتلة خرسانية مغطاة بالزجاج تسمق منها أبراج هوائيات تتخذ اللونين الأحمر والأبيض. ويبدأ خلفه مباشرة الحي الفقير للأخدام وقد أحاط به سور. عرض علينا أحمد مساعدته عند مدخل الحي حيث تكدست القمامة بمحاذاة الجدار وبعثت رائحة منفرة. وكان أحمد يرتدي بنطالا مهترءا وسترة تملأوها البقع على اللحم مباشرة، وكان ينظر بجدية شديدة ويسبقنا بخطى سريعة، ليقودنا أكثر عمقاً داخل الأزقة التي لا يزيد عرضها عن عرض الكتفين إلى حد ما. تلك الأزقة التي ظلت باقية بين مكعبات البيوت المربعة الشكل. وتبلغ مساحة أغلب هذه المنازل ما بين العشرة أمتار والاثنتى عشرة مترا مربعا. بعضها منظمة بقدر الإمكان، وتضم مرتبة للنوم في إحدى زواياها، وأخرى مكدسة بدببة من القماش مهملة وممزقة، إلى جانب إطارات سيارات وألواح خشبية وزجاجات.

سألت أحمد أين ينام. فقال:

- هنا.

وأشار إلى مكان على الأرض العارية التي لا يغطيها العشب.

فسألته:

- دون مرتبة؟

أجاب:

-إنها معلقة بالخارج لتجف.

كان السقف منخفض للغاية حتى أنني بالكاد كنت أستطيع أن أقف مشدود القامة. وكان عبارة عن أفرع شجر ملقاة فوق الصفيح. قادنا أحمد إلى الطابق الأول، وكان هذا هو مبنى خاوي، تهتز أرضيته بشكل ينطوي على خطورة، حتى أن سليم طلب مني الخروج بأسرع ما يمكن.

يعيش هنا ما بين أربعة ألاف وسبعة ألاف نسمة. فلا أحد يعرف العدد بالتحديد. ترى فوق الأسقف أغطية بلاستيكية وقد تكدست إلى جوار الحجارة والقمامة وأطباق الأقمار الصناعية. ورغم أن السكان يتعين عليهم جلب الماء في صفائح من مكان ما حتى البيوت، إلا أن الكهرباء متوافرة في كل بيت. حيث تمتد الأسلاك في كل مكان مثل نبات العليق، وتتدلى من الأعمدة إلى أسفل لتتسلل إلى داخل المساكن التي تعمل بها أجهزة التلفاز. وكلما توغلنا بين المربعات السكنية، كلما ازدادت حدة رائحة القمامة. وكان الذباب يحيط بنا في أسراب كما ظلت الأطفال تتبعنا. كانوا قذرين وغير معتنى بهم. ولكنهم كانوا سعداء لقدوم بعض الأغراب إليهم.

سألت رجلاً قدموه إلى بوصفه شيخ المكان:-

- هل يذهب جميع الأطفال إلى المدرسة؟

فرد بالإيجاب وادعى أن البنات شأنهن شأن الأولاد يتلقين التعليم هنا، بل أن هناك مدرسة لتعليم الكبار الذين لم يتعلموا القراءة والكتابة. ثم أحضر مفتاحاً ليفتح به بابا يؤدي إلى فناء، يفضي بدوره إلى مخزن، كانت النضد المدرسية تتكدس فيه فوق بعضها البعض بينما كانت السبورات تقبع في الزاوية. وتأكدت من أن المكان لم يشهد أية حصص منذ زمن طويل. إلا أن الشيخ أصر على أن الجميع يتلقون الحصص هنا. ثم أراني مبنى صغير تقدم فيه المساعدات الطبية الملحة وقال:

- نحن نحقن المرضى هنا ونعلم النساء كيف يطهين الطعام بشكل صحي.

ولكني لم أتمكن من مشاهدة المكان إلا من الخارج، حيث أن شخص آخر هو الذي يحمل المفتاح ولم يكن من الممكن الوصول إليه.

كانت هناك بعض الحوانيت الصغيرة التي فتحت أبوابها المعدنية بين تلك الأبنية لتبيع الضروريات. وكانت النساء يغسلن فوق الأسطح، بينما انهمر الماء فجأة إلى أسفل ليسقط على المترجم فصاحت سيدة وهي تمر بنا:

- ليس لدينا مراحيض، نحن نحمل فضلاتنا في أوعية على رؤوسنا حتى نصل بها إلى التلال في الخلف لنفرغها هناك.

أخذ الكثيرون يرددون التحية بود، بينما كان البعض يصرخ ويصيح بألفاظ نابية. كما طلب رجل في حارة ضيقة خمس ريالات من جارة (على سبيل المقارنة يعادل اليورو الواحد ۲۷۵ريال يمني). إلا أن الجار ذا اللحية المربعة الشكل رفض رد المبلغ. وهكذا تعالى صوتهما أثناء النقاش وتصاعدت الأمور. عندئذ شد طالب المبلغ خنجره المقوس وطعن به جاره ليجرحه في يده، فلجأ جاره بدوره إلى حجر كبير وهو شديد الحنق حتى يتدخل بينهما شخص ما فيقول المترجم:

- علينا أن نخرج من هنا فحسب!

كنت اصطدم بأشياء في كل مكان. هنا تمتد الحبال وهناك أسياخ معدنية تسمق من الحائط، كما تتدلى هنا ألواح خشبية، بينما تشكل هناك بعض الأسلاك فخاً. أرتني سيدة قد لونت شفتيها باللون الأزرق ساق ابنتها ذات الخمس سنوات وقد احترقت فسألتها:

- ماذا تفعلون عندما تضطرون إلى الذهاب إلى المشفى؟

حيث لا تتوافر هناك مساعدة مجانية على أية حال.

قال شخص ما:

نستدين المال معاً ونحاول أن نسدده فيما بعد. فنحن لا نحظى بالدعم من الخارج ولا نحصل على أي شئ من أي شخص.

بنيت أولى هذه الثكنات الحجرية قبل ثلاثين عاما، وكلها عشوائية. فالأرض تخص الحكومة التي تركتها بدورها إلى الأخدام. ولا ينجح أحد في الخروج من هنا. فهنا ولدوا وهنا سيموتوا.